يعاني الاقتصاد العالمي من العديد من الأزمات التي جعلته على شفا الانهيار، فقد عانى الأزمات المالية العالمية الحديثة المتكررة منذ العام 2008م. وعانى أزمات الوقود والطاقة وأزمات المياه والتربة، ثم أزمات الموارد الناضبة التي يتم استنزافها من البيئة المحيطة دون رقيب، ويقع على البيئة أضراراً هامة بسبب التلوث والاحتباس الحراري ونسبة انبعاثات الكربون في الجو، كما تفاقمت مشاكل الفقر والبطالة العالمية وزيادة الفوارق بين الطبقات بما يسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية. كل ذلك أزمات حقيقية في الاقتصاد العالمي تدعو إلى التفكير في الاقتصاد الأخضر بعيداً عن الاقتصاد التقليدي.
ويُعرف الاقتصاد الأخضر بأنه نموذج اقتصادي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة في نفس الوقت، ويتم ذلك عن طريق تحسين الكفاءة في استخدام الموارد وتعزيز استخدام الموارد المتجددة والحد من الانبعاثات الضارة وتطوير تكنولوجيا ومنتجات تدعم البيئة، حيث يتم التركيز في الاقتصاد الأخضر على تحقيق النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية والاجتماعية، وتوفير فرص عمل جديدة في قطاعات الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة والتصنيع الخضراء والنقل المستدام، والتحكم في التلوث وتحسين جودة الهواء والماء والأراضي. يعتبر الاقتصاد الأخضر أحد الأساليب الهامة التي تساعد على حل المشاكل البيئية المستدامة وتحقيق التنمية المستدامة.
فالاقتصاد الأخضر هو ببساطة شديدة امتداد وتطور لمفهوم التنمية المستدامة والذي أصبح من المفاهيم التي طفت على السطح منذ مؤتمر ستوكهولم عن البيئة الإنسانية والذي أسس أيضاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وفي مؤتمر ريو بالأرجنتين عام 1992، والذي ركز على فكرة التنمية والبيئة.
ولا بد للتحول من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الأخضر أن تأخذ الدول في الاعتبار التنمية المستدامة، ويتم ذلك عبر الاهتمام أولا بالتنمية الاجتماعية مروراً بالتنمية البيئية وصولاً للتنمية الاقتصادية.
وفي فلسطين يوجد جهود حكومية لدعم الاقتصاد الأخضر وتحقيق التنمية المستدامة، وذلك من خلال اتخاذ سياسات وإجراءات تشجع على استخدام الموارد الطبيعية بكفاءة وتعزيز استخدام الموارد المتجددة.
من بين هذه السياسات والإجراءات، يمكن ذكر تشجيع الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وتعزيز الزراعة المستدامة وإدارة المياه بكفاءة، وتشجيع استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة مثل الدراجات الهوائية والحافلات الكهربائية، والعمل على تطوير تكنولوجيا البناء الخضراء وتشجيع المشاريع الصديقة للبيئة.
كما أن الحكومة الفلسطينية قامت بإصدار العديد من الخطط والاستراتيجيات الوطنية الموجهة نحو الاقتصاد الأخضر، مثل خطة الحكومة الوطنية للتنمية المستدامة والخضراء 2018-2022، والاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة 2016-2020.
وتطبيق الاقتصاد الأخضر في فلسطين يتطلب مجهوداً شاملاً من الحكومة والمجتمع المحلي والشركات والمؤسسات والأفراد، وفيما يلي بعض الحلول التي يمكن اتخاذها لتطبيق الاقتصاد الأخضر في فلسطين:
الاستثمار في الطاقة المتجددة: يمكن للحكومة تشجيع الشركات على الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وتوفير التمويل والدعم التقني لهذه المشاريع.
التحول إلى الزراعة المستدامة: يمكن للحكومة دعم المزارعين للاستخدام الأمثل للمياه والأراضي الزراعية، وتشجيعهم على استخدام تقنيات الزراعة المستدامة والحفاظ على التنوع البيولوجي.
النقل الصديق للبيئة: يمكن للحكومة تشجيع استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة مثل الحافلات الكهربائية والدراجات الهوائية، وتوفير بنية تحتية تدعم استخدام هذه الوسائل.
البناء الخضراء: يمكن للحكومة تشجيع المشاريع الخضراء والبناء الخضراء، وتوفير التمويل والدعم التقني لهذه المشاريع.
تعزيز الوعي البيئي: يمكن للحكومة توفير التعليم والتدريب والتوعية للمجتمع المحلي حول مفهوم الاقتصاد الأخضر وأهميته، وكيفية المساهمة في تطبيقه.
تشجيع الابتكار: يمكن للحكومة دعم الابتكار والتطوير في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة والنقل الصديق للبيئة.
على الرغم كل السياسات والإجراءات المُتخذة في سبيل التحول الأخضر، تواجه الحكومة الفلسطينية العديد من التحديات في تطبيقها والتي تشكل عائقاً أمام تحقيق التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، تتمثل في الحصار الإسرائيلي وسيطرته على كافة مفاصل الأراضي الفلسطينية، وتواطؤ المجتمع الدولي في عدم لجم الاحتلال الإسرائيلي لوقف اعتداءاته تجاه الفلسطينيين، والانقسام الداخلي الفلسطيني معوق أساسي لتحقيق التنمية، وعدم توفر بيئة قانونية كافية تحفز على التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتحقيق التنمية المستدامة، استمرار استنزاف الموارد الطبيعية سواء من الاحتلال أو داخلياً عبر أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستديمان، نقص في التمويل اللازم للمشاريع البيئية والتي يمكن أن تساعد على تعزيز الاقتصاد الأخضر، نقص في البنية التحتية اللازمة لتطبيق الاقتصاد الأخضر، حيث لا توجد محطات لتوليد الكهرباء الخضراء ولا تتوفر البنية التحتية اللازمة لتحويل النفايات إلى طاقة، لا يوجد في الوقت الحالي سياسات حكومية واضحة وفعالة تدعم تطبيق الاقتصاد الأخضر، والعديد من التحديات الأخرى.
ويتطلب التحول الى اقتصاد أخضر في فلسطين مراجعة السياسات الحكومية وإعادة تصميمها لتحفيز تحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك والشراء والاستثمار، حيث أن تطبيق “الاقتصاد الأخضر” في الضفة وقطاع غزة سيزيد إجمالي الناتج المحلي بمئات ملايين الشواقل وسيوفر مئات الملايين التي تستثمر حالياً لمواجهة العواقب الصحية والبيئية، بالإضافة إلى رسم وتخطيط برامج واستراتيجيات بالشراكة ما بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات المحلية والدولية، ووضع الأطر القانونية والتشريعية التي تحفز للانتقال نحو الاقتصاد الأخضر، ومخاطبة المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولي لدعم القضية الفلسطينية وإيقاف الاحتلال عن جرائمه اليومية والتي تقف عائق في سبيل تحقيق التنمية.